الجمعة، 24 أغسطس 2007

أفكار جنونية فى دفتر هملت - الفصل الخامس

*الفصل الخامس :

*المشهد الأول :

- ألا يشعر هذا الرجل أدنى شعور
نحو عمله حتى يغنى وهو يحفر قبراً ؟

لكأنى كنت بمسرح ـ فى مشهد حفر القبر لأوفيلياـ فلقد كان الحفار ـ يلقى بالجمجمة بعيداً كى القمها الدور .. ـ ماذا لو سجلت جميع الأدوار ـ فى دفترى الأسود ؟؟ ـ كيف لهذا الدفتر ذى الأوراق المعدودة ـ أن يحوى كل الدنمرك ؟ ـ لكن الحوت الميت ـ تأكله دودة ـ فلنرجع لجماجمنا ـ «جمجمة ذات لسان .. «هذا يعنى الكلمة ـ ولسان كان يغنى ـ أم كان لسان سياسى ماكر؟ ـ أم رجل من حاشية الملك اللبلابية؟ ـ هذى جمجمة أخرى ـ لمحام كان خبيث الحيلة ـ فى التخريج أو التأويل ـ أو مالك أرض عملاق ـ ضم الى الارض السندات ـ المال .. المال ـ الزيف .. الحيلة ـ والبيع شراء ـ أنياب البولونياسية ـ قال الحفار بأنى مجنون ـ وبأن جنونى من جهة الدنمرك ـ حمداً لله ـ حب الوطن جنون ـ حين يكون العقل خيانة ـ مهلا .. مهلا ـ أتكون العلة فى الداخل ـ بين الشعبين المتشحين ـ بوشاح واحد ـ فأكون جنيت عليك ـ من حيث أردت نجاتك من فخ بولونياس ـ وفتحت أمام الغازى الباب ـ القبر أحب إلى ـ وا أبتاه ـ ليكن ماشئت !

- كم ينقضى على المرء هنا قبل أن يتعفن ؟!

*المشهد الثانى :


* * * *
- حين وجدت شباك الأشرار من حول على
هذا النحو بدأ ذهنى على الفور يضع المسرحية
قبل أن أمهد له بمقدمتها !
«يدخل الأتباع لينضدوا الأرائك حاملين
المساند للمشاهدين ثم يتلوهم حملة الأبواق
والطبول والملك والملكة ورجال البلاط
وأوزربك ولورد آخر . كحكمين ....
يحملان السيوف والخناجر ويضعانها
على مائدة بجوار الحائط ثم يدخل فى
النهاية ليارتيس فى ثياب المبارزة » .......
هملت : ... أهذه السيوف جميعا ذات طول
«واحد ؟ يفاجئ هاملت ويجرحه جرحا
خفيفا . يثور هاملت ويلتحم معه وفى
أثناء الالتحام يتبادلان سيفيهما »
هملت : .. إذن فافعل فعلك أيها السم
«يطعن الملك»
الجميع . خيانة .. خيانة ..
هملت : وأنتم يا من شحبت وجوهكم وأرتعدت
فرائصكم لهذه المأساة وأنتم إلا نظاره
أو ممثلون صامتون لما حدث . لو كان لدى
من الوقت ما يكفى .. لولا الموت .. هذا
السجان الذى يأتى تماما فى وقته .........
لتحدثت إليكم .. لكن لينفذ القضاء ...


* * *
* هوراشيو يكتب فى دفتر هاملت . لم تقتل عمك ياخلى ـ إلا حين تجرعت الأم السم فى كأس خباها العم ـ بجراب مبارزة «حبية » ـ ومع إبن بولونياس ـ أفكانت تلك الكأس ـ رمزاً للحرب الأهلية ـ حلم الأعداء ـ والآن وقد سقطت أمك ـ فى بئر اللؤلؤ والسم ـ لم يصبح ثمة ما تخشاه ـ ياخلى من بحر الدم ـ فيما لو أنت قتلت الملك الذئب ؟ ـ وابن بولونياس ـ يدرى أولا يدرى بالخطة ـ ليس يهم ـ يفتاح القاضى قتل ابنته الحسناء ـ ثمنا للنصر ـ فلماذا لا يقتل أبنه ـ هوبولونياس ؟ ـ ياللغدر .. ـ ومتى كان ليفتاح القاضى أولاد ؟ ـ لا ينجب إلا «...» ـ والأغوات ـ ولهذا يكره كل «ذكور» العالم ـ فيبيع صنوف الإحباطات ـ والإجهاضات ـ ياللغدر..

هملت ـ .. ياللغدر .. أغلقوا الأبواب
خيانة .. فتشوا عنها ..

قد نعثر فى القصر عليها ـ ياخلى أو فى الدنمرك ـ أو فى جزر مجهولة ـ لم يطرقها إلا إنسان واحد ـ ناج بالأعجوبة من غضبة بحر ـ لكن ستظل هناك خيانة ـ فلسوف يكون الناجى الأوحد ـ من نسل القاضى يفتاح ـ ولسوف يصيد الطير ـ ويجز النخل .. يجز رؤوس الأشجار ـ وسينحر ما قد يلقى من أحياء ـ وأخيرا .. سوف يخون ـ حتى فى نفسه ـ قد يسأم وحشته فى المنفى المذبح ـ أولا يبقى شئ يذبح ـ ولهذا قد يذبح نفسه ـ هذا عصر القاضى يفتاح الفاتح والمفتوح ـ ألفتح المقلوب هو الحتف !

هملت ـ هوراشيو .. أى اسم مجرح
سأخلف ورائى لو بقيت الأمور مجهولة على
هذا النحو ..

- إسمك ليس مجرح ـ إسمك جرح فى قلب الشعب ـ لكن الجارح ياخلى ـ أن تبقى الأشياء المعروفة ـ من تاريخ قبل التاريخ بتاريخ ـ ولهذى الدرجة مجهولة ـ وتظل تراق دماء الشهداء ـ والعالم مثل رضيع لا يخطو ـ من ألف الحرف لباء ـ أو يمكن أن تجمع كل البشرية ـ بجميع الأعصر حتى الحجرية ـ فى السر .. على ألا يبقى غير الصمت ؟ ـ إنطق ياهملت .. قل شيئاً قبل الموت :

هملت ـ وفى هذه الحياة القاسية تجرع
أنفاسك فى ألم لكى تروى قصتى ..

إنطق ياخلى .. قل شيئا .. ـ ها أنت تموت فقل شيئاً .. لن تخسر شيئاً لو قلت : ـ

هملت ـ .. إن ماحدا بى ... لم يبق
إلا الصمت ...

ماقال الشئ .. ومات . فات الوقت . ولكل منا وقت سوف يفوت . حين يموت :

«صوت موسيقى عسكرية من بعيد ...
يسمع صوت طلقة : يخرج أوزريك »
أوزريك ـ ماهذه الضجة التى كأنها
ضجة الحرب ؟ ..

ألحرب ضجيج . للتغطية على التدبير المحكم . «لهم حيل فى حربهم ما أهتدت لها .. جديس ولا سلمت بها الملك جرهم » . هاقد دخل الغازى القلعة . والسرداب الباب . والباب السرداب . أبواق وطبول.


* * *

يدخل الأمير فورتنبراس والسفراء
الإنجليز وآخرون».

فورتنبراس : أين هذا المشهد؟

ـ وماذا تريد أن تشهد إن كنت تبحث
عن مشهد أليم أو عجيب فهناك ما تبحث
عنه.

فورنتبراس : يا لها من كومة جثت
تنم عن مذبحة وتقتيل!


* * *

عهدا قلبيا يا هملت ..
فى عصر ليس له قلب يحفظ عهدا ..
أن أصنع معجزة العصر ..
فأقص على الدنيا قصة أنبل مخلوق ..
العالم يعرف أن النبلاء ..
منكوبين بكل بلاء ..
يا كرب ـ بلاء ..
أعنى ليس بقصتك جديد ..
فالقصة نفس القصة ..
والغصة نفس الغصة ..
نتجرع أنفاس الألم المكتوم ..
ونمضى مغتاظين ..
أملا فى أن يأتى فارس ..
مثل المارد يخترق الأسوار ..
أسوار الصمت الملجم ..
لكن المارد محبوس فى القمقم ..
«وعيد تخرج الارام منه
وتكره نية الغنم الذئاب»
ـ فأمروا أن ترفع هذه الأجساد فوق

منصة عالية يراها الناس .. ولأقص على الذين لا يعلمون خبر هذه الوقائع ولسوف تسمعون بأفعال من الشهوة والدم والشذوذ والأحكام العاجلة والمذابح العارضة والموت المرسوم بالغدر والقهر . وغاية القول : نوايا الشر وقد انقلبت على رؤوس مدبريها .. كل هذا أستطيع أن أقصه بالحق.


* * *

فوق العرش الخاوى قد تم التدبير ..
والمذبحة ختام للملهاة ..
لكن ثم تقاليد ملكية ..
منذ القتل الأول دوما مرعية ..
القاتل يمشى بجناز المقتول ..

فورتنبراس : أما أنا فإنى أرحب فى أسى بما وهبنى القدر. وإنى لا أذكر أن لى بعض الحقوق فى هذه المملكة تدعونى أن أنتهز هذه الفرصة المواتية !

لكن كن فى القتل ..
فمة نبل ..
شيع قتلاك كما لو كانوا أحبابك ..
يمشون إلى القبر بأرجلهم قدامك ..
وبمحض الرغبة فى أن تدفنهم بيديك ..
أكرمهم .. أكرم مثواهم ..
وترحم بالدمع عليهم ..
وأهل فوق مقابرهم أطنان الورد ..
ولتعزف بجنازتهم لحن وداع ..
أو حتى أغنية عن وشك لقاء ..
«ها أقابله بكره .. وبعد بكره»
«وبعد بعده ها أقول له بكره»
أغلق فوقهم التابوت ..
وأردم بالجاروف عليهم ..
وأصمد فوق العرش لقد تم التدبير .!


* * *

فورتنبراس : ليحمل هملت إلى المنصة، كما يحمل الجندى .. أربعة من الضباط فقد كان خليقاً لو أتيحت له الفرصة أن يكون ملكاً جليلاً .. وفى جنازته فليعزف الجنود موسيقاهم ولتنطق بتكريمه طقوس الحرب. ارفعوا الجثث فهذا مشهد يليق بميدان معركة ولكنه هنا يبدو فى غير موضعه. هيا .. مروا الجنود أن يطلقوا المدافع.

«يحمل الجنود الجثث، وتعزف الموسيقى الجنائزية على طلقات المدافع».

«يا أم دفر لحاك الله والدة ..
منك الاضاعة والتفريط والسرف
لو أنك العرس أوقعت الطلاق بها
لكنك الأم هل لى عنك منصرف؟»

*قبل نزول الستار :

.. لكن ماذا سوف تقول
يا هوارشيو للدانمرك؟ ..
من أين ستبدأ قصة هملت ..
وهنا شعبان ..
ولكل فى القول لسان ..
فبأى لسان نتكلم؟ ..
ها أنت تجر إلى الصمت..
هوراشيو أين العهد القلبى؟ ..
ما خان إذن من لزم الصمت..
فلزوم الصمت كثيراً ما يعنى العجز عن القول .
لا إيثار الأمن ..
ما جدوى الاستشهاد ..
إن كان الفارس والمنتحر سواء ..
فى عصر اليفتاحية؟ ..
من أين ستبدأ هوراشيو؟ ..
ـ من يفتاح القاضى ..
ـ لن يفهم أحد شيئاً ..
ـ سأظل أكرر «فتش عن يفتاح»..
حتى يمسك أحد بعدى بالمفتاح ..
مفتاح الهيكل .. والمحفل .. والماخور ..
والمذبح .. واللوح المسطور ..
والمستور ..
ويدك الحجر على الحية ..
ـ لن يفهم أحد شيئاً ..
ألا أن نتجرع كأس السم،
قبل الحكم وبعد الحكم،
يا أيتها الأفعى من آخر سقراط ..
فالزم ياهوراشيو الصمت ..
لا جدوى فى هذا العصر من الكلمات ..
ـ بل سأقص القصة ..

سيداتى ..

«ليس مثلى يخبر الناس عن
آبائهم قتلوا وينسى القتالا»
آنساتى
«مهجتى ضد يحاربنى
أنا منى كيف أحترس؟»
سادتى .
«السح الدح أمبوه
الواد طالع لأبوه،
شيل الواد م الأرض
الموت علينا فرض»

ليست هناك تعليقات: