الفصل الأول :
المشهد الخامس :
هملت ـ دفترى : لابد أن أثبت فيه هذا : (يكتب)
«يستطيع المرء أن يبتسم ويبتسم .. ويكون نذلاً .. هكذا فى اعتقادى على الأقل يمكن أن يكون الحال فى الدنمارك»!
من يتزوج أمى ..
يصبح عمى ..
تلك معادلة صعبة ..
هذا حق ..
وبلا شك ..
لكن ما أسهلها فى الدانمرك
فإذا كان العم تزوج أمى،
أصبح عمى أس اثنين بلغة الجبر!
فهو العم أخا لأبى وبحكم الدم،
وهو العم .. كزوج الأم،
فيها الواحد،
معنا واحد .
(واحد + واحد ـ واحد)
باقى واحد.
وهو أبى؟؟
باقى؟ أين؟
أين أبى
وإذن عمى اثنان ..
(واحد + واحد ناقص ..)
لكن هذا الناقص زائد،
وإذن واحد،
داخل واحد.
عمى اثنان وواحد،
يعني عمى كل أبى،
أى كتابة ..
فى الدانمارك كأى «حسابه»..
فيم إذن دوران الرأس،
فى ساقية الفلسفة .. اللغو المكذوب،
وجع القلب من المكتوب وغير المكتوب؟؟
ما من شىء فى الدانمارك،
يحدث صدفة..
كل المنسوب إلى الصدف مدبر ..
كى يبدو من فعل الصدفة ..
يبقى أن المنسوب لغير الصدفة،
فى الدانمارك هو الصدفة،
وإذن فهو مدبر..
كى لا يبدو صدفة ..
وهو هنا المطلوب ..
إثباته؟!
* * *
عمى أكل أبى،
فأبى داخل عمى،
يعنى عمى يلبس جلد أبى،
بالمقلوب..
يعنى أصبح شبهه،
أصبح شبحه،
أصبح يلعب دوره،
فوق المسرح!
وأبى يلبس عمى،
بالمقلوب،
يعنى أصبح شبهه،
أصبح شبحه،
أصبح يلعب دوره،
فى الكالوس..
يا هملت قلب الناموس،
فإذا الآب العم،
وإذا العم الأب،
سقطت فى الهاوية الأم،
فهى تحب الأب فى العم،
فمن «الشبح» إذن؟!
عمى؟ .. أبتى؟ ..
أم كان «الشبح» اثنين معاً،
كالعرش عليه اثنان؟
ألهذا قال الشيخ الموتور،
الماسور بجوف التنور،
والطالب ثأره!
الشبح ـ لكن مهما تكن وسيلتك إلى هذه الغاية : فلا تلونن فكرك.. ولا تدع نفسك تدبر أى مكروه لأمك!
؟؟ ... ؟؟ ... ؟؟
حتى بعد خيانتها؟؟
إن نغفر حتى للخونة،
ممن يمكن أن نثأر..؟؟
أم أن الغفران على الشهداء..
كما الموت مقدر؟؟
يا أبنى أقسم أن أغفر...
فالغفران خطيئة ..
حين يكون الغدر براءة!
أم يعلم هذا الشبح بأن الأم
خانته لأن العم شبيهه،
فالعذر هنا جد مخفف،
وهو توافر حسن النية؟
أم يعبث بى؟
أو ليس القائل من لحظات..
الشبح ـ آه يا هملت: .. لشد ما هوت! .. تتركنى أنا وقد كان حبى لها من ذاك المستوى..
أم يتحتم مهما كان الجرم،
مما قد ترتكب الأم..
حتى السقطة فى هاوية خطيئة،
ألا نخطىء نحن ونسقط..
كى نجزيها بالمكروه؟ ..
آها أبتى؟!
الشبح ـ دعها للسماء.. ولتلك الأشواك المستقرة فى صدرها.. تخزها وتوجعها!
نادمة أمى والندم التطهير،
والتطهير،
يتضمن معنى التكفير.
الندم دليل براءة،
لا يندم من كان خئونا بالطبع،
لا تدميه الأشواك ،
لا تخز الأشواك وتوجع،
غير «المتورط» فى السقطة!
من منا لم يسقط مرة..؟
من منا من غير خطيئة،
مرحى .. مرحى ..
أمى الخاطئة بريئة ..
مرحى يابله لأشباح!
بلهاء كل الموتى .. بلهاء ..
أم يخفى الشبح الحاقد عنى شيئاً،
شيئاً لا يعرفه إلا الموتى..
وخصوصاً من ماتوا قتلى؟!
أو لم يلمح للأسوار الأبدية ..
تلك المحجوبة عنا نحن الأحياء،
والمكشوفة فى الوجه الآخر للكون؟ ..
الشبح ـ لكن هذه الأسرار الأبدية: لا ينبغى أن تنكشف لأذنين من لحم ودم!
أهناك إذن آذان،
من غير دم أو لحم؟
فهناك إذن عينان وعقل للروح!
ثمة أسرار لا تدركها إلا الروح،
ـ يالروحى النبيئة!
فلماذا لا تدركها روحى،
وهى معى حياً أو ميت؟
أم أن الحى هو الميت والميت حى؟!
العالم يهفو لنبى!؟
أأبى حى؟ أأبى ميت؟
أم ماذا؟ .. يا وجع القلب!
لو أملك أن أبدل كل الأسماء ..
لأسمى كل الأشياء،
وكأنى أخلقها خلقاً آخر،
سميت الفلسفة .. النقمة،
اللعنة .. لا حب الحكمة!
أم أمى سقطت مغتصبة،
وبرغم الأنف،
والأنف يمرغ فى الطين،
فى المرحاض،
لكن يلجمها الخوف!
والخوف دليل براءة!
أعرف أمى،
أمى لا يمكن أن تسقط،
خوفاً.. بل تسقط مسبية..
أو مكتوفة،
أو مخطوفة،
أو نائمة .. أو معمية،
وأبتاه!
أوشك أجزم أن السم،
كان معدا لردى العم،
ويعلمك أمى،
لكن ـ وبحكم الشبه السابق إثباته ـ
أخطأ للعم طريقه!
مرحى .. مرحى ..
حتى الأرواح تمارس فن الخبث
حتى الشبح قناع!
الشبح : لقد قيل للناس إن حية لدغتنى وأنا نائم فى بستان لى . وهكذا خدعت بقصة موتى الرائفة كل آذان الدنمرك خدعة بشعة لكن فلتعمل أيها الفتى النبيل أن الأفعوان الذى لدغ أباك فى حياته يلبس الآن تاجه!
لنقل فرضاً..
قتل أبى بدلاً من عمى
عرفت أمى
لكن بعد فوات الوقت
سقطت أمى فى فخ الصمت
تكشف للدنمرك الخدعة؟!
سوف يكون العم الحى شهيداً
بطلاً .. ملكاً للدنمرك
وتضيع حقوق ولى العهد!
ليس يجوز لملك أن يغتال آخاه
وإذا كان لملك أن يعتال أخاه
فهو قمين أن يغتال الشعب!
وابن الملك الغادر
سوف يكون الملك الغادر
بعد أبيه!
الدنمرك تحب الغدر
شرط يظل السر ببئر
أما حين يفوح: يجاوز حد القصر
فهى تكون مثالاً للطهر
تغضب غضبة رجل واحد!
بقى الفرض الثانى ـ وهو الصمت المفروض ـ فعلت أمى هذا ـ سقطت فى الهاوية بريئة ـ بالمنطق كيف يبرر حتى نتن خطيئة : ـ ثمة يا أبتاه خطيئة ـ لكن من منا لم يسقط! ـ الإنسان سقوط : ـ أو ليس الميلاد سقوط : ـ فى هاوية العالم ـ ولهذا تقلبنا القابلة المشئومة ـ تمسكنا من قدمينا زرع بصل ـ فنرى العالم معدولا ـ ونعود فنقف على القدمين ـ لنرى العالم مقلوباً : ـ أم نقلبنا البومة كى لا نعرف أن العالم يقف على رأسه؟ ـ سوف أسجل فى دفترى الأسود ـ يمكن أن تسقط أم ـ وتظل الأم! ـ وقبيح بالأبناء هوان الأم: ـ سمعاً .. سمعاً .. يا أبتاه : ـ فإلى نهر النسيان! ـ لا كى ننسى ما قلناه ـ لكن كى نصطاد من النهر ـ ما نحن نسيناه! ـ قال الملك وبعد التتويج:
الملك : ـ اتخذنا زوجاً من كانت زوج أخى من قبل، وملكيتنا الآن، وشريكتنا على عرش هذه الدولة المتهيئة للحرب:
ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته ـ لن انسى هذى الملحوظة: ولكى أستيقن من أنى لن أنساها ـ سوف أسجلها فى الدفتر ـ بالقلم الأحمر ـ «ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته» ـ لكن بالروح نبية : ـ ولقد جاء التتويج سريعاً ـ هذا مقبول .. ـ وبحكم العادة يحدث ـ فى الدنمرك وغير الدنمرك ـ : ـ لا شىء هنا يبدو للعقل غريباً : ـ لكن زواج الآخ من أرملة أخيه ـ أمر بأباه الله ـ فى الدنمرك : ـ ما يأباه لله ـ تأباه الدنمرك ـ مفروض هذا: ـ فلماذا لم تغضب غضبة رجل واحد .. ـ ضد زواج قد حرمه الدين؟! ـ أم أن الدنمرك ـ تضع الملك على عرش الله ـ والله على العرش الملكى ـ هذى نقطة : ـ تثبت أن الدنمرك ـ لا يعنيها ما يعنى الله! ـ محض نفاق .. ـ هذا دين الدنمرك ـ ويجوز الخوف، كما الجم أمى،
فغدت فى القتل شريكه
وغدت فى العرش شريكه
وبقيت ولى العهد
الجيم كل الناس!
لكن زواجاً تم بهذى السرعة
وزواجاً قد حرمه الدين
يفشى الرغبة فى تغطية السر
هذا فرض معقول!
لكن السر؟!
مازال بقاع البئر
فلتهبط بالتدريج إلى القاع
وبكل حذر ..
الدولة متهيئة للحرب!
هل يعقل أن زواجاً هو بالدين محرم
تم بهذى السرعة
كان ضرورة
فرضتها الحرب المتهيئة لها الدنمرك؟!
والحرب .. لماذا؟
قال الملك وبعد التتويج:
الملك : ـ والآن ننتقل إلى ما تعلمون من أمر فور تنبراس : يبدو أنه لم يقدرنا حتى قدرنا أو لعله ظن أن موت أخينا الراحل قد حل عرى دولتنا وأوهى بأسمها فعاد إلى حلمه ذاك فى السيطرة وأرسل إلينا بما يسوءنا يطلب أن تسلم إليه تلك الأرض التى تنازل عنها أبوه، بعقود وثقها القانون لأخينا المقاتل الباسل!
أوشك أن أصطاد الأشباح
فى قاع البئر.
الروح .. الروح نبية!
فلماذا ظن الضعف بعمى
بيننا كان يخاف أبى .. والحلم قديم
فى السيطرة على جزء من أرض
أجبر فيه علي التسليم ؟!
ولماذا عاد عدو الدنمرك ليحلم
وبهذى السرعة
بل يتحدى عمى
بيننا كان يخاف أبى؟!
ولماذا ظن بأن الدنمرك .
ضعفت .. وهنت ـ .. حلت ـ بعد أبى المقتول عراها؟!
كان أبى كالصخرة
فى وجه الحالم والحلم
وانزاحت فى تيار السم
الجارى فى مجرى الدم!
لحساب الطامع فى الأرض .. عدو الدنمرك
أم لحساب الطامع فى العرش .. العم ..
أم لحساب الاثنين معا .. بطريق الصدفة
والصدفة فى الدنمرك مدبرة كى تبدو صدفة؟!
هل يمكن أن يغتال أبى
لحساب عدو من «خارج»؟
عندئذ يغدو «الخارج» داخل
و«الداخل» خارج
فمن القاتل؟؟
ما الحرب إذن يا أبتاه
ما الحرب سوى «التمثيل»
مهلاً ... مهلاً
أذكر أنى قلت «التمثيل»
الملكة : ـ إذا كان كذلك فلماذا يبدو أمرك شاذاً على هذا النحو؟!
أعرف «يبدو»
أعرف ما تعنى الأقنعة .. الأزياء
يا أماه!
بين العرس وبين المأتم
فى التمثيل
«يبدو» أن المرء
نفس المرء
وهو «قناع»
ـ يبدو «يا سيدتى» .. بل هو الحق . فلسب أعرف «يبدو» هذه وليس ردائى الحالك. يا أمى العزيزة : ولا ملابس الحداد المألوفة ولا زفراتى المصعدة أو النهر الدافق من عينى: أو الغم البادى على وجهى ولا كل ما يتخذ الحزن من صور وأشكال هى وحدها التى تنبىء بصدق مرى. هذه حقاً «تبدو» فهى أفعال يمكن أن يمثلها المرء لكن فى باطنى ما يعجز التمثيل أما هذه فليست إلا حليا ومظاهر للاسى!
العالم مسرح
وأنا لست ممثل
تلك هى المأساة!
روحى فى الحق نبية!
قلت مراراً!
والحرب هى «التمثيل»
والتمثيل «الحرب»
ليس أمامى غير الصمت!
هيا نرجع خطوة
كى نتقدم خطوة
«ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته» :
ـ أبى .. يخيل إلى أنى أرى أبى!
هوراشيو : ـ أين يا سيدى اللورد؟!
كان رآه صديقى
لكن لم يخبرنى بعد
وسيخبرنى بعد قليل
ـ فى عين عقلى يا سيدى!
عين العقل .. وعين الروح
روحى فى الحق نبية!
ـ روح أبى فى السلاح . إن وراء ذلك أمراً، يخيل إلى أن فى الأمر شراً ! يا روحى اسكنى فسينهض العمل الخبيث على مشهد من الناس ولو غطته الأرض جميعاً!
فى خطر يا أرض الدنمرك
خطر تستشعره الأشباح
أطياف الموتى
فى خطر يا هملت
خطر تستشعره الروح
حين تكون نبية
خطر يستشعره الشعب الملجم
حين يكون على العرش .. الزانى ..
قاتل ملك الدنمرك!
وتجىء الحرب غطاء للسر
وقناعاً يخفى وجه القاتل
والقاتل يصبح مثل الغازى
والغازى مثل القاتل
وسواء فى التمثيل هزيمة
يا أرواح الموتى .. أو نصر
إن السر ببئر!
هوراشيو : ـ والليل والنهار إن ذلك لغريب :
هملت: مادامت غريباً فلنرحب به إن فى السماء والأرض يا هوراشيو أشياء لا يعلم بها علمك.. إن العصر لفى خسر يالها من نكاية لعينة أن أولد لأصلح ما فسد!
المشهد الخامس :
هملت ـ دفترى : لابد أن أثبت فيه هذا : (يكتب)
«يستطيع المرء أن يبتسم ويبتسم .. ويكون نذلاً .. هكذا فى اعتقادى على الأقل يمكن أن يكون الحال فى الدنمارك»!
من يتزوج أمى ..
يصبح عمى ..
تلك معادلة صعبة ..
هذا حق ..
وبلا شك ..
لكن ما أسهلها فى الدانمرك
فإذا كان العم تزوج أمى،
أصبح عمى أس اثنين بلغة الجبر!
فهو العم أخا لأبى وبحكم الدم،
وهو العم .. كزوج الأم،
فيها الواحد،
معنا واحد .
(واحد + واحد ـ واحد)
باقى واحد.
وهو أبى؟؟
باقى؟ أين؟
أين أبى
وإذن عمى اثنان ..
(واحد + واحد ناقص ..)
لكن هذا الناقص زائد،
وإذن واحد،
داخل واحد.
عمى اثنان وواحد،
يعني عمى كل أبى،
أى كتابة ..
فى الدانمارك كأى «حسابه»..
فيم إذن دوران الرأس،
فى ساقية الفلسفة .. اللغو المكذوب،
وجع القلب من المكتوب وغير المكتوب؟؟
ما من شىء فى الدانمارك،
يحدث صدفة..
كل المنسوب إلى الصدف مدبر ..
كى يبدو من فعل الصدفة ..
يبقى أن المنسوب لغير الصدفة،
فى الدانمارك هو الصدفة،
وإذن فهو مدبر..
كى لا يبدو صدفة ..
وهو هنا المطلوب ..
إثباته؟!
* * *
عمى أكل أبى،
فأبى داخل عمى،
يعنى عمى يلبس جلد أبى،
بالمقلوب..
يعنى أصبح شبهه،
أصبح شبحه،
أصبح يلعب دوره،
فوق المسرح!
وأبى يلبس عمى،
بالمقلوب،
يعنى أصبح شبهه،
أصبح شبحه،
أصبح يلعب دوره،
فى الكالوس..
يا هملت قلب الناموس،
فإذا الآب العم،
وإذا العم الأب،
سقطت فى الهاوية الأم،
فهى تحب الأب فى العم،
فمن «الشبح» إذن؟!
عمى؟ .. أبتى؟ ..
أم كان «الشبح» اثنين معاً،
كالعرش عليه اثنان؟
ألهذا قال الشيخ الموتور،
الماسور بجوف التنور،
والطالب ثأره!
الشبح ـ لكن مهما تكن وسيلتك إلى هذه الغاية : فلا تلونن فكرك.. ولا تدع نفسك تدبر أى مكروه لأمك!
؟؟ ... ؟؟ ... ؟؟
حتى بعد خيانتها؟؟
إن نغفر حتى للخونة،
ممن يمكن أن نثأر..؟؟
أم أن الغفران على الشهداء..
كما الموت مقدر؟؟
يا أبنى أقسم أن أغفر...
فالغفران خطيئة ..
حين يكون الغدر براءة!
أم يعلم هذا الشبح بأن الأم
خانته لأن العم شبيهه،
فالعذر هنا جد مخفف،
وهو توافر حسن النية؟
أم يعبث بى؟
أو ليس القائل من لحظات..
الشبح ـ آه يا هملت: .. لشد ما هوت! .. تتركنى أنا وقد كان حبى لها من ذاك المستوى..
أم يتحتم مهما كان الجرم،
مما قد ترتكب الأم..
حتى السقطة فى هاوية خطيئة،
ألا نخطىء نحن ونسقط..
كى نجزيها بالمكروه؟ ..
آها أبتى؟!
الشبح ـ دعها للسماء.. ولتلك الأشواك المستقرة فى صدرها.. تخزها وتوجعها!
نادمة أمى والندم التطهير،
والتطهير،
يتضمن معنى التكفير.
الندم دليل براءة،
لا يندم من كان خئونا بالطبع،
لا تدميه الأشواك ،
لا تخز الأشواك وتوجع،
غير «المتورط» فى السقطة!
من منا لم يسقط مرة..؟
من منا من غير خطيئة،
مرحى .. مرحى ..
أمى الخاطئة بريئة ..
مرحى يابله لأشباح!
بلهاء كل الموتى .. بلهاء ..
أم يخفى الشبح الحاقد عنى شيئاً،
شيئاً لا يعرفه إلا الموتى..
وخصوصاً من ماتوا قتلى؟!
أو لم يلمح للأسوار الأبدية ..
تلك المحجوبة عنا نحن الأحياء،
والمكشوفة فى الوجه الآخر للكون؟ ..
الشبح ـ لكن هذه الأسرار الأبدية: لا ينبغى أن تنكشف لأذنين من لحم ودم!
أهناك إذن آذان،
من غير دم أو لحم؟
فهناك إذن عينان وعقل للروح!
ثمة أسرار لا تدركها إلا الروح،
ـ يالروحى النبيئة!
فلماذا لا تدركها روحى،
وهى معى حياً أو ميت؟
أم أن الحى هو الميت والميت حى؟!
العالم يهفو لنبى!؟
أأبى حى؟ أأبى ميت؟
أم ماذا؟ .. يا وجع القلب!
لو أملك أن أبدل كل الأسماء ..
لأسمى كل الأشياء،
وكأنى أخلقها خلقاً آخر،
سميت الفلسفة .. النقمة،
اللعنة .. لا حب الحكمة!
أم أمى سقطت مغتصبة،
وبرغم الأنف،
والأنف يمرغ فى الطين،
فى المرحاض،
لكن يلجمها الخوف!
والخوف دليل براءة!
أعرف أمى،
أمى لا يمكن أن تسقط،
خوفاً.. بل تسقط مسبية..
أو مكتوفة،
أو مخطوفة،
أو نائمة .. أو معمية،
وأبتاه!
أوشك أجزم أن السم،
كان معدا لردى العم،
ويعلمك أمى،
لكن ـ وبحكم الشبه السابق إثباته ـ
أخطأ للعم طريقه!
مرحى .. مرحى ..
حتى الأرواح تمارس فن الخبث
حتى الشبح قناع!
الشبح : لقد قيل للناس إن حية لدغتنى وأنا نائم فى بستان لى . وهكذا خدعت بقصة موتى الرائفة كل آذان الدنمرك خدعة بشعة لكن فلتعمل أيها الفتى النبيل أن الأفعوان الذى لدغ أباك فى حياته يلبس الآن تاجه!
لنقل فرضاً..
قتل أبى بدلاً من عمى
عرفت أمى
لكن بعد فوات الوقت
سقطت أمى فى فخ الصمت
تكشف للدنمرك الخدعة؟!
سوف يكون العم الحى شهيداً
بطلاً .. ملكاً للدنمرك
وتضيع حقوق ولى العهد!
ليس يجوز لملك أن يغتال آخاه
وإذا كان لملك أن يعتال أخاه
فهو قمين أن يغتال الشعب!
وابن الملك الغادر
سوف يكون الملك الغادر
بعد أبيه!
الدنمرك تحب الغدر
شرط يظل السر ببئر
أما حين يفوح: يجاوز حد القصر
فهى تكون مثالاً للطهر
تغضب غضبة رجل واحد!
بقى الفرض الثانى ـ وهو الصمت المفروض ـ فعلت أمى هذا ـ سقطت فى الهاوية بريئة ـ بالمنطق كيف يبرر حتى نتن خطيئة : ـ ثمة يا أبتاه خطيئة ـ لكن من منا لم يسقط! ـ الإنسان سقوط : ـ أو ليس الميلاد سقوط : ـ فى هاوية العالم ـ ولهذا تقلبنا القابلة المشئومة ـ تمسكنا من قدمينا زرع بصل ـ فنرى العالم معدولا ـ ونعود فنقف على القدمين ـ لنرى العالم مقلوباً : ـ أم نقلبنا البومة كى لا نعرف أن العالم يقف على رأسه؟ ـ سوف أسجل فى دفترى الأسود ـ يمكن أن تسقط أم ـ وتظل الأم! ـ وقبيح بالأبناء هوان الأم: ـ سمعاً .. سمعاً .. يا أبتاه : ـ فإلى نهر النسيان! ـ لا كى ننسى ما قلناه ـ لكن كى نصطاد من النهر ـ ما نحن نسيناه! ـ قال الملك وبعد التتويج:
الملك : ـ اتخذنا زوجاً من كانت زوج أخى من قبل، وملكيتنا الآن، وشريكتنا على عرش هذه الدولة المتهيئة للحرب:
ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته ـ لن انسى هذى الملحوظة: ولكى أستيقن من أنى لن أنساها ـ سوف أسجلها فى الدفتر ـ بالقلم الأحمر ـ «ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته» ـ لكن بالروح نبية : ـ ولقد جاء التتويج سريعاً ـ هذا مقبول .. ـ وبحكم العادة يحدث ـ فى الدنمرك وغير الدنمرك ـ : ـ لا شىء هنا يبدو للعقل غريباً : ـ لكن زواج الآخ من أرملة أخيه ـ أمر بأباه الله ـ فى الدنمرك : ـ ما يأباه لله ـ تأباه الدنمرك ـ مفروض هذا: ـ فلماذا لم تغضب غضبة رجل واحد .. ـ ضد زواج قد حرمه الدين؟! ـ أم أن الدنمرك ـ تضع الملك على عرش الله ـ والله على العرش الملكى ـ هذى نقطة : ـ تثبت أن الدنمرك ـ لا يعنيها ما يعنى الله! ـ محض نفاق .. ـ هذا دين الدنمرك ـ ويجوز الخوف، كما الجم أمى،
فغدت فى القتل شريكه
وغدت فى العرش شريكه
وبقيت ولى العهد
الجيم كل الناس!
لكن زواجاً تم بهذى السرعة
وزواجاً قد حرمه الدين
يفشى الرغبة فى تغطية السر
هذا فرض معقول!
لكن السر؟!
مازال بقاع البئر
فلتهبط بالتدريج إلى القاع
وبكل حذر ..
الدولة متهيئة للحرب!
هل يعقل أن زواجاً هو بالدين محرم
تم بهذى السرعة
كان ضرورة
فرضتها الحرب المتهيئة لها الدنمرك؟!
والحرب .. لماذا؟
قال الملك وبعد التتويج:
الملك : ـ والآن ننتقل إلى ما تعلمون من أمر فور تنبراس : يبدو أنه لم يقدرنا حتى قدرنا أو لعله ظن أن موت أخينا الراحل قد حل عرى دولتنا وأوهى بأسمها فعاد إلى حلمه ذاك فى السيطرة وأرسل إلينا بما يسوءنا يطلب أن تسلم إليه تلك الأرض التى تنازل عنها أبوه، بعقود وثقها القانون لأخينا المقاتل الباسل!
أوشك أن أصطاد الأشباح
فى قاع البئر.
الروح .. الروح نبية!
فلماذا ظن الضعف بعمى
بيننا كان يخاف أبى .. والحلم قديم
فى السيطرة على جزء من أرض
أجبر فيه علي التسليم ؟!
ولماذا عاد عدو الدنمرك ليحلم
وبهذى السرعة
بل يتحدى عمى
بيننا كان يخاف أبى؟!
ولماذا ظن بأن الدنمرك .
ضعفت .. وهنت ـ .. حلت ـ بعد أبى المقتول عراها؟!
كان أبى كالصخرة
فى وجه الحالم والحلم
وانزاحت فى تيار السم
الجارى فى مجرى الدم!
لحساب الطامع فى الأرض .. عدو الدنمرك
أم لحساب الطامع فى العرش .. العم ..
أم لحساب الاثنين معا .. بطريق الصدفة
والصدفة فى الدنمرك مدبرة كى تبدو صدفة؟!
هل يمكن أن يغتال أبى
لحساب عدو من «خارج»؟
عندئذ يغدو «الخارج» داخل
و«الداخل» خارج
فمن القاتل؟؟
ما الحرب إذن يا أبتاه
ما الحرب سوى «التمثيل»
مهلاً ... مهلاً
أذكر أنى قلت «التمثيل»
الملكة : ـ إذا كان كذلك فلماذا يبدو أمرك شاذاً على هذا النحو؟!
أعرف «يبدو»
أعرف ما تعنى الأقنعة .. الأزياء
يا أماه!
بين العرس وبين المأتم
فى التمثيل
«يبدو» أن المرء
نفس المرء
وهو «قناع»
ـ يبدو «يا سيدتى» .. بل هو الحق . فلسب أعرف «يبدو» هذه وليس ردائى الحالك. يا أمى العزيزة : ولا ملابس الحداد المألوفة ولا زفراتى المصعدة أو النهر الدافق من عينى: أو الغم البادى على وجهى ولا كل ما يتخذ الحزن من صور وأشكال هى وحدها التى تنبىء بصدق مرى. هذه حقاً «تبدو» فهى أفعال يمكن أن يمثلها المرء لكن فى باطنى ما يعجز التمثيل أما هذه فليست إلا حليا ومظاهر للاسى!
العالم مسرح
وأنا لست ممثل
تلك هى المأساة!
روحى فى الحق نبية!
قلت مراراً!
والحرب هى «التمثيل»
والتمثيل «الحرب»
ليس أمامى غير الصمت!
هيا نرجع خطوة
كى نتقدم خطوة
«ما كنت رأيت الشبح ولا كلمته» :
ـ أبى .. يخيل إلى أنى أرى أبى!
هوراشيو : ـ أين يا سيدى اللورد؟!
كان رآه صديقى
لكن لم يخبرنى بعد
وسيخبرنى بعد قليل
ـ فى عين عقلى يا سيدى!
عين العقل .. وعين الروح
روحى فى الحق نبية!
ـ روح أبى فى السلاح . إن وراء ذلك أمراً، يخيل إلى أن فى الأمر شراً ! يا روحى اسكنى فسينهض العمل الخبيث على مشهد من الناس ولو غطته الأرض جميعاً!
فى خطر يا أرض الدنمرك
خطر تستشعره الأشباح
أطياف الموتى
فى خطر يا هملت
خطر تستشعره الروح
حين تكون نبية
خطر يستشعره الشعب الملجم
حين يكون على العرش .. الزانى ..
قاتل ملك الدنمرك!
وتجىء الحرب غطاء للسر
وقناعاً يخفى وجه القاتل
والقاتل يصبح مثل الغازى
والغازى مثل القاتل
وسواء فى التمثيل هزيمة
يا أرواح الموتى .. أو نصر
إن السر ببئر!
هوراشيو : ـ والليل والنهار إن ذلك لغريب :
هملت: مادامت غريباً فلنرحب به إن فى السماء والأرض يا هوراشيو أشياء لا يعلم بها علمك.. إن العصر لفى خسر يالها من نكاية لعينة أن أولد لأصلح ما فسد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق