الاثنين، 27 أغسطس 2007

أفكار جنونية فى دفتر هملت - الفصل الثاني

*الفصل الثانى :
المشهد الأول :

أنا لا أحسن قول الشعر
فى داخلى الشاعر ميت
لكن شاعر
يولد ميتاً من يولد شاعر
كان علينا أن يولد فى أيدينا السيف
نشهره في وجه الأم المطحونة من آلام مخاض
فى وجه القابة الفاغرة الحجر كما المرحاض
فى وجه الآباء الشهوات القاذفة بنا
فى فرج القبر:
فى وجه العالم موبوءاً بعداء الشعر!

تنتظر نبيا يا خلى «يحمل سيفاً» ؟ ـ يا خلى مدام الشعر ـ قد أصبح فى عالمنا الزيف ـ من خوف السيف ـ يا خلى كيف يكون السيف ـ حتى لو حمل اسيف نبى؟؟ ـ يا خلى .. يا خلى .. كيف ؟؟ ـ «وهل أبيحت نساء القوم عن عرض .. للعرب إلا بأحكام النبوات؟؟ ـ

إنى أنتظر نبياً لا يحمل شيئاً. ـ لا يحمل حتى الرأس على الكتفين ـ ما دامت تقطف : ـ لا يحملها فوق الكف ـ ما دامت تخطف تقصف : ـ لا يستشهد : ـ انتظر نبياً لا يحمل حتى كلمة! ـ فالكلمات على أكتاف الموتى ـ من أزمان لم تلق الرحلا ـ والسفر يلوح بغير نهاية : ـ انتظر نبياً لا ينتظر أحد ـ يأتى وبروح كما الطيف .. ويضحك ـ من فوق السحب .. ولا يبكى ـ بدموع السحب على العالم! ـ انتظر نبياً يتقن فن التمثيل .. التهريج ـ فن خيال الظل : ويقدم يوم التتويج .. دراما التتويج! ـ للملك المأبون وأروع العابه ـ كى يضحك كل تيوس العرش ـ من أنفسهم! ـ أنتظر نبياً يمسك مروحة من ريش نعام ـ من «خلف» الملك يمروح .. يستجدى الأنسام ـ كى يفهم سر المهنة ـ ببلاط السلطان ـ كى يصبح «خلف» السيف فلا يؤخذ غرة ـ والدولة متهيئة الحرب! ـ أنتظر نبياً يهوى فن التمثيل ـ فالتمثيل الحرب ـ والحرب التمثيل ـ أنتظر نبياً يا خلى، يتقلب فى كل الأدوار ـ فى دور الساحر والكاهن ـ فى دور الراقص والمنشد ـ فى دور القائد والتابع ـ فى دور الداعر والقديس ـ فى دور الشاعر والثائر ـ ومحب الحكمة والجاهل ـ والمتجاهل ـ كى يفهم كيف يموت الشعراء ـ ولماذا كانوا الشهداء ـ دوما إن حملوا الكلمة ـ أو حملوا يا خلى السيف ؟! ـ وأنا شاعر ـ وبحكم النص ! ووقعت أسيراً بين الأمراء ـ ما أدركت الأمراء ولا أدركت الشعراء ! ـ يا أوفيليا منذ اليوم أنا المجنون! ـ فالعصر لعين وخئون! ـ ما دامت أمى يا أوفيليا خانت ـ فالعالم : كل العالم خائن!

ـ آه يا عزيزتى أوفيليا. أنى لا أحسن نظم الشعر : وتعوزني الصنعة لأعبر عن آلامى!

.. لكن أباك هو «الكاهن»،
يبدو أن أباك يهودى،
يتخفى فى الزى الدنمركى،
فيه طباع الأفعى .. حتى صوته،
فيه فحيح عبرى،
عندى ألف دليل،
لكن لن أستبق القول!
أيكون أبوك مدبر هذى الصدفة،
قتل أبى .. وزواج العم بأمى،
والصمت المطبق فوق الدنمرك،
والحرب على الأبواب؟!
الشك .. الشك .. الشك،
كنت كتبت لأوفيليا،
من شعرى بضعة أسطر:
« ـ شكى أن الأنجم نيران،
شكى أن الشمس بلا دوران،
شكى أن الحق كذب،
لكنى لا شك أحب!»
لا .. أوفيليا .. يا بيضة أفعى،
شكى حتى فى أنى أحببتك،
شكى حتى فى الشك
قواد فى الحق أبوك،
نتن الرائحة «يبيع سمك» : ،
فالشرفاء بعالمنا قلة،
«قد تلد الشمس الدود بجثة كلب ميت.»
وأنا كلب ميت،
لكن أصلح للتقبيل .. وللتمثيل،
هاتى قبلة!
يا أيتها الكلبة بنت الكلب،
لا .. فالنتن يفوح،
من شفتيك .. نتن أبيك،
ماذا تلد الأفعى حبلى الشفتين سوى السم،
الكلمات المسمومة تولد ناقصة العمر،
أو زائدة العمر،
قبل الشهر الأول أو بعد الشهر التاسع،
والحبل السرى بضم السين،
كالحبل السرى بكسر السين،
أما حبل الكلمات الطاهرة الذيل،
فيقص ليصبح بعد قصص،
يولد منذ المهد غصص،
هيا نختصر المشوار ونصنع جنساً،
ونمارس باسم «الحب» التهجين!

يمتحن جنونى يا أوفيليا بالمكر أبوك! ـ سأريه فنون السكر بكل جنون! ـ يسألنى ماذا تقرأ : ـ جاسوس فى قلب القلعة ـ يتقصى كل الكلمات! ـ يكفى أن يعرف أعداؤك ـ ماذا نقرأ ـ كى تؤخذ فى الليل بغرة ـ وأبوك أعد الخطة للأمر : ـ لم يبق سوى الأشباح ـ تتجول قبل الفجر ـ منذ اغتيل أبى بالسم ـ وسرى السم بكل النمرك! ـ لو أن الأشباح تموت .. ـ لانتحرت كل الأشباح: ـ واأبتاه: ـ «ألفاظ .. ألفاظ .. ألفاظ» : ـ إنى أقرأ ألفاظاً لا كلمات : ـ أما عنوان كتابى ـ فهو «الألفاظ الملفوظة»ـ من تأليف الموتى الملفوظين ـ من كل قبور العالم ـ روجع حقق لفظاً لفظاً ـ من خبراء قدامى فى تلفيظ الألفاظ ـ لكن ضاع المخطوط الأصلى ـ واأسفاه: ـ فابحث معنا .. ومع الشرطة : ـ يسألنى ما موضوع الألفاظ؟ نفس الموضوع : ـ طبعاً لم تفهم شيئاً: ـ أعنى أن الموضوع هو الألفاظ ـ الموضوع بها الموضوع : مثلا. مثلا ـ كل الأشياء المنتنة بكل الأشياء ـ يمكن أن توضع فى لفظ. «فضيحة» فإذا شئت الجمع نقول ـ «فضائح» : ـ وهنالك جمع مذكر ـ وهنالك جمع مؤنث ـ وهنالك جمع التكسري . التهجين ـ للاثنين معاً ـ ليس هنالك جمع «سالم» ـ فى الدنمرك! ـ ويسود الخطأ الشائع ـ من أن الذكر هنا لا يحبل ـ لكن ثمة فى الدنمرك تجارب ـ تجرى فى هذا الموضوع : ـ والأمل كبير فى رأى العلماء ـ بفنون الحمل ومنع الحمل : ـ هذا يعنى أن «القوم» نساء بالإمكان ـ وغداً يصبح أصل الإنسان ـ لا آدم .. بل حواء : ـ سيدتى.. أنت أب لأوفيليا ـ هيا نصنع حباً .. هيا ـ هيا نلد الأطفال من الإست! ـ والعصر السبت! ـ إنصرف الآن الثعبان : ـ دخل أثنان من الأعوان: ـ فلنلعب هذه المرة بالألغاز! ـ حالكما حال البسطاء: ـ فلماذا تأتى كلماتكما ـ فى زخرفة لباس المومس؟!

ـ سجن يا أرض الدنمرك!

روزنكراتس: ـ وإذن كل الدنيا سجن!

هذا حق . المأبون يقول الحق : لكن حتى هذا يحدث ـ فى الدنمرك : ـ أن المأبونين يقولون الحق ـ من فرط النشوة أم رغماً عنهم؟ ـ أم كى يخفوا حقاً أبشع منه؟ ـ أم من باب الحوط الواجب للمستقبل ـ دول .. دول .. يا أيام : كان أبى ملكاً بالأمس ـ يحيا ملك الأمس! ـ عمى صار الملك اليوم ـ يحيا ملك اليوم! ـ وغداً يأتى ملك آخر ـ يحيا الملك الآخر ! ـ تعب القوم وبحث كل الأصوات ـ والزمن مخيف ! ـ لو لم تأتى الدولة بعد الدولة ـ لو لم تكن الجولة بعد الجولة ـ لأرتاح المابونون ودامت للعهر النشوة. ما قالوا أحياناً رغماً عنهم ـ شيئاً قد يبدو فيه الطهر : ـ أعرف «يبدو» : ولهذا «يبدو» أن القوم ـ «يبدون» لنا كالقديسين ـ لا مأبونين: هل يمكن أن يزنى الفكر ـ يا أوفيليا بالفكر؟ ـ يمكن جداً فى الدانمرك ـ ما من شىء فى الدنمرك محال ـ غير الطهر. ـ واأبتاه. ـ لتدوى فى أروقة القصر ـ ضوضاء العربدة ... السكر ـ لتغيظ الأطياف .. الأرواح .. الهائمة مع الفجر . ـ تلبس أردية الحرب ولا حرب ـ الشبح أسير الفجر .. الموت ـ كالإنسان أسير القيد .. الصمت. ـ صاح الديك ـ يا أبتى أم ما زالت فى الليل بقية؟ . يا نار جحيم جوالة. والملك العاهر ما زال يعربد ـ فى جنبات الماخور والمخدع ـ والموسيقى طلقات مدافع ـ فالدولة متهيئة للحرب ـ بطريقة أمى! ـ مرحى فلأكن القواد ـ بفراشك أمى .. والخادم ـ والبواب! ـ مولاتى .. هل يلزم شىء ـ لتمام المتعة والنشوة ـ وتمام الشهوة؟!. شكراً يا ولدى ـ عفواً أمى ـ إنى يا أمى بالباب ـ رهن أشارة ـ أو رهن مجرد آهة ـ من آهات العشق . ـ ويل للدنمرك من اليوم الآتى ـ ويل لللاطة محنىى الظهر!

يأتى من بعدك ـيا خلى ـ من بعدى،
من يحكى إنا لم نحن،
فى الليل اللوطى ظهوراً،
يأتى من يحكى،
أنا كنا فى الزمن المأبون فحولاً،
فنكحنا حتى الغيلان،
كتأبط شراء!
إنى انتظر نبياً لا ينظم شعرا،
كدخان يتصاعد من كف المحرقة.. المذبح،
يحمل آهات القربان،
انتظر نبيا لا يذبح،
لا يسجن .. لا يؤسر . لا يطرده الغربان من الأرض،
لا يلجأ للكهف .. المحبس .. والمعزل،
يا خلى إنا أشباح،
لا تلد الأشباح سوى الأشباح،
تقذفنا الأرحام ودون سلاح،
فى المعمعة .. فنقتل دون ثمن،
من ريش الحدآت الدموية،
نتخذ كفن!

جيلد نستيرن: ـ ماذا تقول يا سيدى اللورد؟!

ـ أى شىء لكن فى الموضوع!

لست بشاعر . ـ لكنى أقسم أن أصنع شعراً من دود برازى ـ وأبارز حتى الدود! ـ فالجثة تبقى حية ـ حتى آخر نفس من آخر دودة! ـ يا أيتها الأشباح الموءودة ـ هل يسرى الدود ـ حتى فى الأرواح؟ ـ ما جدوى أن نختار الألفاظ جميلة ـ ما جدوى أن نزرع فى المرحاض خميلة ـ ما جدوى أن نشدو بالألحان خفيفة ـ والألحان ثقيلة ـ يا خلى والعهر فضيلة؟ ـ جوق التمثيل سيأتى بعد قليل. ـ فلننظر يا هوراشيو فى قائمة الأدوار ـ دور الملك الداعر ـ دور الملكة أمى ـ يا هاوية ليس لها من قاع .ـ دور كبير الوزراء القواد ـ دور أوفيليا بنت القواد كبير الوزراء القوادين . دور الأبواق الأعوان الغلمان ـ الخصيان المداحين المحترفين الأدياتية . ـ لا فرق لديهم بين العرس وبين المأتم ـ عاش .. ومات . ـ مات ... وعاش . ـ دور الحفار الساخر ـ دور الشبح المصهور بنار الغيظ ـ يبقى دور الشعب ـ من سيقوم بدور الشعب؟! ـ وهنا أكتب ملحوظة. ـ «التمثيل هنا ممنوع ـ ـ منعاً باتاً.» ـ المصيدة معدة ـ للفئران ـ ومعد فى «المصيدة» الطعم! ـ الدودة تجذب للشط الحوت ـ فإذا الحوت الدودة ـ والدودة حوت! ـ هم يخشون الكلمة ـ حين تكون السهم برحلة صيد ـ حين تكون الصقر بغير عصابة ـ لكن حين يدب الرعب ـ فى أوصال الكلمة ـ تصبح لفظاً أو كمية حبر ـ محض هواء نتن مر من الرئتين ـ عاد إلى الرئتين ـ آهة نشوى فوق سرير مفتوح الفخذين ـ والدنمرك سرير ـ وسرير كل العالم ـ كل يزنى بالعالم . ماذا فى وسع «الفروج» الدنمركى . لا تنتحروا . ـ فلينتحروا هم لا نحن! ـ مهما كان جحيم الحزن ـ لا تنتحروا فالمنتحر هو المهزوم. ـ «المصيدة» معدة . ـ لا تبنوا فوق الجثث المدنا ـ فالجثث تذوب تغوص لجوف الأرض ـ تصنع أبخرة .. نيراناً تصبح بركاناً .. طوفاناً ـ تعصف بالمدن الرازحة على الموتى ـ والبائلة على صفحات .. على كلمات ـ كتب الموتى البردية!

ـ .. وسيضحك المهرج من تدغدغهم أيسر الفكاهة .. وستعبر اليسدة عن أفكارها كما تشاء وإلا تعثر الشعر المرسل!

هل يمكن أن ينتحر الإنسان،
حتى بعد الموت؟
منتحراً .. يأتى للدنيا،
ينتحر .. لكى يذهب عنها،
منتحراً .. هل تم خلاص؟!
هيا نقل الشعر..
رمزا .. من رمز .. فى رمز،
كى تحسب بين الشعراء،
لا نوصم دونهم بالعجز،
«الذئب يوشوش فى أنات القز،
والدودة تضحك من أفبيه البز،
تنين يشدو من قلب الأرز،
صبرا يا أرز على الأرز،
فالموز كما سرب إوز،
يطفو ويغوص على در اللوز،
والرومان .. الرمان .. قنابل ذرية،
لو رومانة!
يا شجر اللبلاب الطارح كمثرى،
إنا أسرى،
إنا اسرى؟»

قلنا يا خلى الشعر . ـ فلنقل السجع المعروف عن الكهان ـ أو دعنا نقل النثر ـ أو دعنا من كل فنون القول ـ مادام النطق خيانة؟
هيا نسترجع قائمة الأدوار ـ من سيقوم بدور الموتى؟ ـ الموتى قاموا بالأدوار ـ قاموا .. ماتوا ـ والأشباه اليوم على المسرح؟ وهنا أكتب ملحوظة . ـ «التمثيل هنا ممنوع ـ منعاً باتاً» . ـ تمثيل الموتى تمثيل بالموتى ـ والويل لنا نحن الأحياء . لو عرف الموتى التمثيل لعاشوا ـ لكن واأسفاه؟

ـ أى الممثلين هم؟

روزنكرانتز ـ أولئك الذين اعتدت أن تسر كثيراً بتمثيلهم فرقة التراجيديا فى المدينة.

وما الذى دفعهم للرحيل؟ ومقامهم خير لهم ربحاً وشهرة؟

روزنكرانتز ـ أظن أن كسادهم يعود إلى ما ظهر أخيراً من بدعة.

ـ ألم يزالوا موضع التقدير كما كانوا حين كنت فى المدينة؟ أمازال الناس يقبلون عليهم؟

روزنكرانتز ـ لا يا سيدى اللورد .. لم يعودوا كذلك؟

كم يتغير هذا العالم: ـ ثمة شىء يحدث للمسرح ـ وإذن ثمة شىء يحدث للدنمرك : ـ أو بالعكس ـ فالدنمرك المسرح : ـ والملهاة هى المأساة ـ والمأساة هى الملهاة : ـ كيف نضم الإثنين معاً ـ فى اسم واحد؟ ـ الملساة؟ ـ المأهاة؟ ـ هذى تسمية مقبولة ـ لكن ليست معقولة: ـ وهو المطلوب اليوم ـ لجميع الأسماء! ـ والفارس لا يستخدم سيفه ـ إلا حين تبين حدود الأسماء ـ ويبين الفارق بين الأشياء ـ فإذا رفع السيف الأعمى ـ حين تكون الأشياء عماء ـ كان السيف من السياف براء ـ حتى لو كان السياف نبيا ـ يا خلى يا من تنتظر نبيا يحمل سيفا ـ «السيف والرمح قد أودى زمانهما، فهل لكفك فى عود ومضراب؟!» يبقى من قائمة الادوار ـ دور «العاشق» : ـ أوصيكم بعدى بالعشق، ـ والعشق مدى التاريخ مصارع : ـ والموت وراء العشاق : ـ العاشق لا ينتظر جزاء ـ فجزاء العاشق أن يذبح فى الجزية ـ والمذبوح العاشق يكره ـ ذابح عشق أو عاشق ذبح : ـ لست أسيغ بطبعى هذا الدور ـ وهنا كتب ملحوظة : «التمثيل هنا أيضاً ممنوع» ـ أما «المضحك» فأنا أعشق دوره : ـ فهو نبى ـ أنتظر نبيا يلعب دور المضحك ـ حتى يضحك كل الأدوار! ـ «فإن تعش تبصر الباكين قد ضحكوا ـ والضاحكين لفرط الجهل باكينا» ـ لكن شرط يكون المضحك ـ فى الدنمرك المبكى ـ أو بالعكس ـ «والتمثيل هنا تمثيل بالتمثيل ـ أما «السيدة» الملكة ـ فى التمثيل ـ الشاعرة بأن الذنب عظيم ـ إن صحت أقوال الشبح الهائم ـ بين الفجر الفاجر والذعر ـ فلسوف تقول الشعر المرسل : ـ مثل الشعر المرسل فوق الكتفين ـ يسقط فوق الظهر إلى القدمين ـ يكنس من خلف الملكة ـ ما قد يسقط من دنس الفخذين : ـ و«المصيدة» معدة ـ من تأليفى ـ والإخراج ـ مثل الفتح على الخراج : ـ وهمو يخشون المسرح ـ يخشون الشاعر حين يكون ـ شاعر مسرح : ـ أما حين يكون (..) : ـ فالشاعر فاكهة الموسم : ـ ولهذا ندر الشعر درامياً ـ ندر الشعر نبياً فى الدنمرك : ـ ولهذا أهوى دور المضحك!

روزنكرانز ـ .. لكن هناك يا سيدى عشا من الأطفال. صقور صغيرة تصيح فيعلو صوتها فى الجدل على صوت الآخرين وينالون أعظم استحسان. هؤلاء هم البدعة فى هذه الأيام: وإنهم ليملأون بصياحهم «المسارح العامة»، هكذا يسمونها حتى أصبح كثير من حملة السيوف يخشون حملة ريس لاوز، ولا يجرؤون أن يذهبوا إليها!.

ـ ماذا؟ أهم أطفال؟ ومن يدير شئونهم؟ ومن ينفق عليهم؟ وهل يواصلون المهنة بعد أن يصبحوا عاجزين عن الغناء؟ وإذا غدواهم أنفسهم ممثلين كباراً .. وهو المرجح إذا لم يجدوا وسيلة للعيش خيراً من هذا.. ألن يشكون من ظلم الكتاب حين يضطرونهم الآن إلى التنكر لمستقبلهم؟!

روزنكرانتز ـ لقد جرت أحداث كثيرة بين الجانبين: لم يتورع الناس أنفسهم عن حفزهما إلى مزيد من الخصام. وأنى حين كانت المسرحية تعدم من يدفع ثمنها ما لم ينته الشاعر والممثل فيها إلى تبادل الضرب والسب.

فليكن الأطفال صقوراً ـ مادامت كل صقور العالم ـ تتخاطف كل الأطفال ـ لا تغريد اليوم ولكن أمر ـ والأمر الصمت : ـ فالصوت يجر إلى الفرخ الموت : ـ ليست بدعة : ـ من يحمل سيفاً يخشى من يحمل ريشة ـ من جنح أوزة ـ قد يكتب بالريشة كلمة ـ تكسر سيفاً ـ لكن فى صمت ـ كى لا يسمع حتى صوت القلم على القرطاس : ـ لكن أخشى ما أخشاه ـ أن يصبح أطفال اليوم صقور للاطفال : ـ ويل للدنمرك من اليوم الآتى ـ ويل .. ويل للشعراء: ـ يا أبواب جهنم : ـ التمثيل هنا ممنوع ـ بالنص وبالإخراج ـ وبإجماع الفرقة : ـ وبرغم جميع حروف الجر الخطافية ـ للسجن أو المشنقة أو الخازوق ـ أو للصلب كما الحلاج على شاطىء نهر الدم: ـ «والصلال التى يخاف أذاها .. ـ شرها فى الرؤوس والأذناب»: ـ ذنب الأفعى ناب ـ ناب الأفعى هو «بولونياس» ـ وهو كبير الوزراء : ـ سوف أريك جنون جنونى .. فأر القصر : ـ فالمصيدة معدة ـ للفئران ـ والدنمرك المسرح: ـ زرعوا الفرقة ـ بين الفنانين بأية فِرقة ـ بين الشاعر والفنان ـ حتى بين الشعراء ـ فإذا الإنسان عدو لأخيه الإنسان ـ فى الدنمرك الدولة ـ صارت غاية ـ يأكل أفيَّها الأقوى لحم الأصلح : ـ ثم تجىء الحرب المسرح ـ بعد الحرب: ـ ثم يقوم المسرح ـ من فوق الأطلال ـ جوق الندابين معد ـ من أعوام «قبل الحرب» : ـ تبقى الفرق الجوالة ـ والجولون من الشعراء ـ والجوالون الآفاق ـ بحثاً عن مأوى .. عن لقمة : ـ والطرد .. الطرد ـ والهجرة والتهجير ـ مطرود من كل العالم ـ من يطرد من أرض الدنمرك!

ـ إنى مجنون حين تهب الريح من الشمال والشمال الغربى، أما حين تهب من الجنون، فإنى أميز بين الفأس والمنشار:

هذى أيضاً ملحوظة
لكن ملحوظة من يكتم غيظه
من ذيلين لفأر واحد
هو «بولونياس»
جاءا كى يمتحنا عقله
كثرت فى القصر الفيران!
فرق التمثيل الملكية.
وانحط المسرح .. لا غرو!
فلأكتب أن المسرح يمكن فى الدنمرك
أن ينحط إلى أعلى:

بولونيوس: ـ لقد حضر إلينا الممثلون يا سيدى اللورد!

ـ كفى .. كفى :
بولونيوس : ـ على شرفى!
إذن فقد جاء كل ممثل على حمار!
الشرف حمارك بولونياس
والتمثيل كذلك
لا يحسن فن التمثيل حمار
هل يحسن أن يصنع فرقاً للتمثيل
فى القصر أو الدنمرك
هذا جائز
لكن سوف يبين الفرق
للعين الصقرية
بين حمار التمثيل وتمثيل حمار
فانظر من أنت!
واأبتاه!
سابول على شرف بولونياس
وسيأتى ليشم البولة
بغريزة أى حمار
يا شعراء الورق «السولوفان»
والدنتيللا. والشمبانيا
قد تبدو كلمة «بولة»
تعبيراً غير مثقف..
يعنى مقرف؟!
بل ليس يليق بهملت
كأمير .. فضلاً عن شاعر
لكن من قال بأنى لا أتبول
بل زفعل ماهو افذر
والإنسان قذارة
تمشى فوق الأرض على قدمين
وأنا إنسان
إنسان ..!
أكتب فى دفترى الخاص
ما يخطر لى فى بال!
يا دفترى الخاص
لن يقرأك سواى
إلا فأر من فئران القصر
يسعى خلفى .. يقرض ما أقرض من شعر
ينبش فى أفكارى .. فى أفكارى .. فى أشعارى
يبحث فيها عما يدعى بالإسقاط
بولونيوس.
أنت حمار فى التمثيل،
لكن أنت «مثقف»،
فيما «يبدو»!

بولونيوس: ـ إنهم خيرة الممثلين فى العالم سواء فى المأساة أم الملهاة، أم المسرحية التاريخية، أم الريفية، أم الدينية الهزلية، أم التاريخية أم المأساوية الهزلية الدينية التاريخية، ما روعى فيه وحدة المكان وما انطلق فيه الشاعر بلا قيد!

ملحوظة : جاهل ـ بالتأليف وبالإخراج وبالتمثيل ـ كيف بحق جهنم ـ يبقى المرء حماراً .. وهو مثقف ـ يعرف مثل كبير الوزراء ـ هذا كله : ـ ما أكثرها الأنواع الأجناس الألوان ـ فى فن المسرح . ـ لكن الموضوع هو الموضوع ـ واللغز يظل اللغز ـ المسرح أيضاً يجنح للدوران ـ مثل الأرض ـ وشروط المسرح مستوفاة ـ وفق أرسطو ـ فمكان اللعب الدنمرك الرسمية ـ الملكية. ـ والفعل هو «التهويد» ـ ويهودى فأر القصر بولونياس ـ بعد طويل تحرياتى ـ فيما كتب بغير قيود ـ من أشعار أو كتب مقيد ـ لا تندهشوا ـ فاليكم فى الجدل دليلى ـ مفتاح اللغز. بولونياس . - .. إنهم وحدهم من يصلح للتقليدى والحر .

هملت - أى «يفتاح» ياقاضى إسرائيل أى كنز كان لديك بولونياس .

بولونياس . - وأى كنز كان لديه ياسيدى اللورد ؟

هملت - بنت حسناء .. واحد لا غير .. كان يحبها حباً جماً .

بولونياس . - ( لنفسه ) مازال فى أبنتى .

هملت - ألست على حق يايفتاح العجوز ؟ .

بولونياس . - لا تدعنى يفتاح ياسيدى اللورد فاِزن لى بنتا أحبها حباً جماً .

هذا لغزى - لغز العم .. الأم . - لغز السم - لغز الشبح الهائم فى نيران الغيظ .- لغز كبير الوزراء . - لغز أوفيليا . - لغز الحرب على الأبواب - قبل الحرب وبعد الحرب . - لغز الغازى الطامع فى أرض الدنمرك - لغز الدنمرك لملكية - لغز الشعب الصامت . هذا لغز الألغاز - فى مأساتى أو ملهانى - وسيكتب نقاد العالم ـ ليردد من خلفهم الخصيان ـ من نقاد الدنمرك المنكوبة - بالجوقات وبالأبواق - أطنانا من كتب التفسير - حتى عن كيف يبول أمير - إلا عن هذا اللغز - لغز كبير الوزراء اليفتاحى .- فهنا سيسود الصمت . - أو فالموت . - فاختر بينهما يامن تأتى بعدى - تقرأ هذا الدفتر - دون هوامش . - واختر بينهما ياخلى الطيب - يامن تنتظر نبياً يحمل سيفاً - إنى انتظر نبيا يفهم سر المهنة - وخصوصا فى فن المسرح - يفتاح القاضى يلبس وجه كبير الوزراء - ويجوس بأروقة القصر - وبحكم المهنة يغزو الدنمرك من الداخل - والحرب على الأبواب تجذب عيون النيران الى الخارج - السوس الدائب يقهر قلعة . - مادام كبير الوزراء ممثل - فالملك رئيس فريق التمثيل - والدنمرك الساحة للفرق اليفتاحية - والتهويد .. التهويد .. - هل تعرف أمى أو لا تعرف - ملعوب التتويج .. التقليد .. التشبيه ؟ ما سر رضوخك ياأمى ؟ - الخوف .. أم التدبير .. أم التمويه ؟ - أم أن الملكة تشبه أمى ؟ - يا أيتها الأشباح المصهورة فى نارجهنم - إسرائيل هى الدنمرك .- كل العالم إسرائيل . - فليبدأ منذ الآن التمثيل . - والمصيدة معدة . - «قلدتنى الفتيا فقلدنى غدا .. تاجا باعفائى من التتويج - حتى الآن .. - مازال الفتيان يقومون بأدوار الفتيات .- فتقاليد الدنمرك الملعونة - صارمة فى التمثيل وعاهرة فى الواقع .- كان الأولى لو قام الفتيات بأدوار الفتيان - فالفتيات أقل أنوثة .- فى الدنمرك .- هذى أحدى حسنات كبير الوزراء ـ ألقاضى يفتاح . ـ التهويد ... التأنيث .. التذكير .. التخنيث ـ الطاعون اللوطية ـ تمهيداً للحرب المتأهبة لها الدولة ـ فلنسمع قطعة ـ نمتحن بها الفرقة ـ ليست فرقتنا الجوالة ـ المطرودة من كل مدينة ـ من بين الفرق الرسمية ـ هذى ملحوظة . ـ

- هيا . دعونا نتذوق شيئاً من فنكم . هيا .. قطعة مليئة بالانفعال .

الممثل الأول ـ أية قطعة ياسيدى اللورد ؟

- لقد ألقيت أمامى قطعة ذات مرة . لكنها لم تمثل قط أو مثلت مرة واحدة .

فلتسمعنى نفس القطعة . ـ لكن مهلا .. مهلا هملت . ـ أكتب فى دفترك الأسود ـ ولماذا أطلب نفس القطعة ـ وهنا بالذات الآن ـ ولدى الفرقة ما بجراب الحاوى ؟ محض سؤال . ـ لكن أذ كر أن القطعة ـ كانت لحناً من فرجيل ـ فى الأنيادة ـ عن طروادة . ـ عن طروادة ! ـ ليست صدفة ! ـ «يفتاح » بكل مدينة سقطت أو توشك أن تسقط .

ـ .. قطعة فيها بعينها أحببتها أكثر من غيرها ، حديث إيناس إلى ديدو وخاصة ذلك الجزء الذى يشير فيه إلى مصرع بريام .

تصلح هذه القطعة يايفتاح ـ يا بولونياس ـ تصلح نعيا للدنمرك . ـ يفتاح هو البغل الخشبى .. ـ ولكن فى «مكياج » حصان . لا يمكن أن يصبح يفتاح كبيرا ً للوزراء ـ إلا فى الدنمرك العبرانية ـ والوحش بجوف البغل القابع فى جوف حصان ـ ينقض على طروادة فى الليل الأسود ـ بسلاح كالنية أسود . ـ فليرجع من شاء زيادة للانيادة ـ فتش عن «يفتاح» .. القاضى . ـ فى كل ملاحم هذا العالم .ـ من حوريس إلى طرزان ـ ولشيتا القردة منى ألف تحية

ـ .. سأطلب اليه أن يلقى البقية بعد .. وأنت ياسيدى الكريم أرجو أن نهئ للممثلين مقاماً طيباً .. أتسمع .. لكى تكرم وفادتهم أنهم خلاصة تاريخ العصر !

ألمصيدة معدة : ـ لكن أول شرط للتمثيل ـ ألا يبدو هذى المرة تمثيلا ـ كى لا يدرك يفتاح الثعلب ـ أن الهرة تحت الملعب . ـ هل نتحدى الموت ـ أم نستسلم ؟ ـ الأحياء هم الجبناء ـ حين اختاروا العيش .. أم الشهداء ـ حين اختاروا الموت بعيداً عن هذا العالم ؟ ياخشبتى المقطوعة من شجر الصفصاف ـ ثقل الحمل على أكتافِى ـ من يصلينى بالله عليك ؟ ـ يا أوفيليا اليفتاحية ـ يا أبنة يفتاح القاضى . ما يخرج من بيض أوزة ـ غير إوزة ـ تحسن فن العوم ؟ ـ ماذا يخرج من بيض الأفعى ـ غير الأفعى ـ تحسن نفث السم ؟ ـ لكن يحدث فى الدنمرك ـ شئ آخر ـ تخرج من يفتاح أوفيليا ـ قرد ينجب حية ـ تنجب بوما ـ ويقولون الحب !ـ «حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه » ـ ويقولون الشعر ـ «شعر أيه .... دا الكلام اللى فى عنيك ـ خلى أحلى كلام يغير » ـ أطنان كلام فى الحب ـ هيا فالعب مع أوفيليا ـ لعبة حاو أمسك حيه ـ يا أجمل أقبح حورية ماذا فى وكر الصدر ـ غير الغدر الكامن غير العهر ؟ ـ «ردوا السلام ولا السلام دا غالى » ـ «ردوا السلام ومانطلعوش فى العالى».

ـ .. لابد أن أجد دليلا أكثر إرتباطاً من هذا ، والمسرحية هى التى ستكشف عن ضمير الملك ..


* * *


« لو قيل لم يبق سوى ساعة
أملت ما تعجز عنه سنة »
-أبو العلاء المعرى-

ليست هناك تعليقات: